الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»
.تفسير الآيات (56- 60): {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)}{وَلاَ تُفْسِدُواْ في الأرض} بالكفر والمعاصي. {بَعْدَ إصلاحها} ببعث الأنبياء وشرع الأحكام. {وادعوه خَوْفًا وَطَمَعًا} ذوي خوف من الرد لقصور أَعمالكم وعدم استحقاقكم، وطمع في إجابته تفضلاً وإحساناً لفرط رحمته {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مّنَ المحسنين} ترجيح للطمع وتنبيه على ما يتوسل به للإِجابة، وتذكير قريب لأن الرحمة بمعنى الرحم، أو لأنه صفة محذوف أي أمر قريب، أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول، أو الذي هو مصدر كالنقيض، أو الفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره.{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {الريح} على الوحدة. {نُشْراً} جمع نشور بمعنى ناشر، وقرأ ابن عامر {نشراً} بالتخفيف حيث وقع وحمزة والكسائي {نشراً} بفتح النون حيث وقع على أنه مصدر في موقع الحال بمعنى ناشرات، أو مفعول مطلق فإن الإِرسال والنشر متقاربان. وعاصم {بشراً} وهو تخفيف بشر جمع بشير وقد قرئ به و{بشراً} بفتح الباء مصدر بشره بمعنى باشرات، أو للبشارة وبشرى. {بَيْنَ يَدَي رَحْمَتِهِ} قدام رحمته، يعني المطر فإن الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه. {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ} أي حملت، واشتقاقه من القلة فإن المقل للشيء يستقله. {سَحَاباً ثِقَالاً} بالماء جمعه لأن السحاب جمع بمعنى السحائب. {سُقْنَاهُ} أي السحاب وإفراد الضمير باعتبار اللفظ. {لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} لأجله أو لإحيائه أو لسقيه. وقرئ: {ميت}. {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الماءُ} بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق أو بالريح وكذلك. {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} ويحتمل فيه عود الضمير إلى {الماء}، وإذا كان ل {لبلد} فالباء للإلصاق في الأول وللظرفية في الثاني، وإذا كان لغيره فهي للسببية فيهما. {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} من كل أنواعها. {كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى} الإشارة فيه إلى إخراج الثمرات، أو إلى إحياء البلد الميت أي كما نحييه بإحداث القوة النامية فيه وتطريتها بأنواع النبات والثمرات، نخرج الموتى من الأجداث ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس. {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فتعلمون أن من قدر على ذلك قدر على هذا.{وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ} الأرض الكريمة التربة. {يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} بمشيئته وتيسيره، عبر به عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفعه لأنه أوقعه في مقابلة. {وَالَّذِي خَبُثَ} أي كالحرة والسبخة. {لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً} قليلاً عديم النفع، ونصبه على الحال وتقدير الكلام، والبلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكداً فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعاً مستتراً وقرئ: {يخرج} أي يخرجه البلد فيكون {إلا نكداً} مفعولاً و{نكداً} على المصدر أي ذا نكد و{نكداً} بالإِسكان للتخفيف. {كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} نرددها ونكررها. {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} نعمة الله فيتفكرون فيها ويعتبرون بها، والآية مثل لمن تدبر الآيات وانتفع بها، ولمن لم يرفع إليها رأساً ولم يتأثر بها.{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} جواب قسم محذوف، ولا تكاد تطلق هذه اللام إلا مع قد لأنها مظنة التوقع، فإن المخاطب إذا سمعها توقع وقوع ما صدر بها. ونوح بن لمك بن متوشلح بن إدريس أول نبي بعده، بعث وهو ابن خمسين سنة أو أربعين. {فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله} أي اعبدوه وحده لقوله تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ} وقرأ الكسائي غيره بالكسر نعتاً أو بدلاً على اللفظ حيث وقع إذا كان قبل إله من التي تخفض. وقرئ بالنصب على الاستثناء. {إني أخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} إن لم تؤمنوا، وهو وعيد وبيان للداعي إلى عبادته. واليوم يوم القيامة، أو يوم نزول الطوفان.{قَالَ الملأُ مِنْ قَوْمِهِ} أي الأَشراف فإنهم يملؤون العيون رواء. {إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلاَلٍ} زوال عن الحق. {مُبِينٍ} بين..تفسير الآية رقم (61): {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)}{قَالَ يَا قَوْمٍ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ} أي شيء من الضلال، بالغ في النفي كما بالغوا في الإِثبات وعرض لهم به. {وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ} استدراك باعتبار ما يلزمه، وهو كونه على هدى كأنه قال: ولكني على هدى في الغاية لأني رسول من الله سبحانه وتعالى..تفسير الآية رقم (62): {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)}{أَبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعَلَم مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} صفات لرسول أو استئناف، ومساقها على الوجهين لبيان كونه رسولاً. وقرأ أبو عمرو {أبلغكم} بالتخفيف وجمع الرسالات لاختلاف أوقاتها أو لتنوع معانيها كالعقائد والمواعظ والأحكام، أو لأن المراد بها ما أوحي إليه وإلى الأنبياء قبله، كصحف شيث وإدريس وزيادة اللام في لكم للدلالة على إمحاض النصح لهم، وفي أعلم من الله تقريراً لما أوعدهم به فإن معناه أعلم من قدرته وشدة بطشه، أو من جهته بالوحي أشياء لا علم لكم بها..تفسير الآية رقم (63): {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)}{أَوَ عَجِبْتُمْ} الهمزة للإنكار والواو للعطف على محذوف أي أكذبتم وعجبتم. {أَنْ جَاءَكُمْ} من أن جاءكم. {ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ} رسالة أو موعظة. {عَلَى رَجُلٍ} على لسان رجل. {مِنْكُمْ} من جملتكم أو من جنسكم، فإنهم كانوا يتعجبون من إرسال البشر ويقولون {لو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آباءنا الأولين}. {لِيُنْذِرَكُمْ} عاقبة الكفر والمعاصي. {وَلِتَتْقُوا} منهما بسبب الإنذار. {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} بالتقوى، وفائدة حرف الترجي التنبيه على أن التقوى غير موجب والترحم من الله سبحانه وتعالى تفضل، وأن المتقي ينبغي أن لا يعتمد على تقواه ولا يأمن من عذاب الله تعالى..تفسير الآية رقم (64): {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}{فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ} وهم من آمن به وكانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأة. وقيل تسعة بنوه سام وحام ويافث وستة ممن آمن به. {فِي الفُلْكِ} متعلق بمعه أو بأنجيناه، أو حال من الموصول أو من الضمير في معه. {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} بالطوفان. {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِينَ} عمي القلوب غير مستبصرين، وأصله عميين فخفف وقرئ: {عامين} والأول أبلغ لدلالته على الثبات..تفسير الآية رقم (65): {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)}{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ} عطف على نوحاً إلى قومه. {هُوداً} عطف بيان لأخاهم والمراد به الواحد منهم، كقولهم: يا أخا العرب للواحد منهم، فإنه هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. وقيل: هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وقيل هود بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح، ابن عم أبي عاد، وإنما جعل منهم لأنهم أفهم لقوله وأعرف بحاله وأرغب في اقتفائه. {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} استأنف به ولم يعطف كأنه جواب سائل قال: فما قال لهم حين أرسل؟ وكذلك جوابهم. {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} عذاب الله، وكأن قومه كانوا أقرب من قوم نوح عليه الصلاة والسلام ولذلك قال أفلا تتقون {قَال المَلأَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} إذ كان من أشرافهم من آمن به كمرثد بن سعد..تفسير الآيات (66- 73): {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)}{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} متمكناً في خفة عقل راسخاً فيها حيث فارقت دين قومك. {وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ}.{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بي سَفَاهَة وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ}.{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.{أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِركُمْ} سبق تفسيره. وفي إجابة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الكفرة عن كلماتهم الحمقاء بما أجابوا والإِعراض عن مقابلتهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة، وهكذا ينبغي لكل ناصح، وفي قوله: {وأنا لكم ناصح أمين} تنبيه على أنهم عرفوه بالأمرين. وقرأ أبو عمرو {أبلغكم} في الموضعين في هذه السورة وفي (الأحقاف) مخففاً. {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي في مساكنهم، أو في الأرض بأن جعلكم ملوكاً فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلى شجر عمان. خوفهم من عقاب الله ثم ذكرهم بإنعامه. {وَزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَسْطَةً} قامة وقوة. {فَاذْكُروا آلاءَ اللَّهِ} تعميم بعد تخصيص. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لكي يفضي بكم ذكر النعم إلى شكرها المؤدي إلى الفلاح.{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَر مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} استبعدوا اختصاص الله بالعبادة والأعراض عما أشرك به آباؤهم انهماكاً في التقليد وحباً لما ألفوه، ومعنى المجيء في {أجئتنا} إما المجيء من مكان اعتزل به عن قومه أو من السماء على التهكم، أو القصد على المجاز كقولهم: ذهب يسبني. {فَائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} من العذاب المدلول عليه بقوله: {أفلا تتقون}. {إنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقينَ} فيه.{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ} قد وجب وحق عليكم، أو نزل عليكم على أن المتوقع كالواقع. {مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ} عذاب من الارتجاس وهو الاضطراب. {وَغَضَبٌ} إرادة انتقام. {أَتُجَادِلُونَني فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أي في أشياء سميتموها آلهة وليس فيها معنى الإِلهية، لأن المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل، وأنها لو استحقت كان استحقاقها بجعله تعالى إما بإنزال آية أو بنصب حجة، بين أن منتهى حجتهم وسندهم أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقق المسمى، وإسناد الاطلاق إلى من لا يؤبه بقوله إظهاراً لغاية جهالتهم وفرط غباوتهم، واستدل به على أن الاسم هو المسمى وأن اللغات توقيفية إذ لو لم يكن كذلك لم يتوجه الذم والإِبطال بأنها أسماء مخترعة لم ينزل الله بها سلطاناً وضعفهما ظاهر. {فَانْتَظِرُوا} لما وضح الحق وأنتم مصرون على العناد نزول العذاب بكم. {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرِينَ}.{فَأَنّجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ} في الدين. {بِرَحْمَةٍ مِنَّا} عليهم. {وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَآيَاتِنَا} أي استأصلناهم. {وَمَا كَانُوا مُؤْمِنينَ} تعريض بمن آمن منهم، وتنبيه على أن الفارق بين من نجا وبين من هلك هو الإِيمان.روي أنهم كانوا يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم هوداً فكذبوه، وازدادوا عتواً فأمسك الله القطر عنهم ثلاث سنين حتى جهدهم، وكان الناس حينئذ مسلمهم ومشركهم إذا نزل بهم بلاء توجهوا إلى البيت الحرام وطلبوا من الله الفرج، فجهزوا إليه قيل بن عثر ومرثد بن سعد في سبعين من أعيانهم، وكان إذ ذاك بمكة العمالقة أولاد عمليق بن لاوذ بن سام وسيدهم معاوية بن بكر، فلما قدموا عليه وهو بظاهر مكة أنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وأصهاره، فلبثوا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان له، فلما رأى ذهولهم باللهو عما بعثوا له أهمه ذلك واستحيا أن يكلمهم فيه مخافة أن يظنوا به ثقل مقامهم فعلم القينتين:حتى غنتا به، فأزعجهم ذلك فقال مرثد: والله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وتبتم إلى الله سبحانه وتعالى سقيتم، فقالوا لمعاوية: احبسه عنا لا يقدمن معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا، ثم دخلوا مكة فقال قيل: اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيهم، فأنشأ الله تعالى سحابات ثلاثاً بيضاء وحمراء وسوداء، ثم ناداه مناد من السماء يا قيل: اختر لنفسك ولقومك. فقال اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء، فخرجت على عاد من وادي المغيث فاستبشروا بها وقالوا: {هذا عارض ممطرنا} فجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم ونجا هود والمؤمنون معه، فأتوا مكة وعبدوا الله سبحانه وتعالى فيها حتى ماتوا.{وَإِلَى ثَمودَ} قبيلة أخرى من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح. وقيل سموا به لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل. وقرئ مصروفاً بتأويل الحي أو باعتبار الأصل، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى. {أَخَاهُمْ صَالِحاً} صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود. {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} معجزة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي وقوله: {هذِهِ نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} استئناف لبيانها، وآية نصب على الحال والعامل فيها معنى الإشارة، ولكم بيان لمن هي له آية، ويجوز أن تكون {ناقة الله} بدلاً أو عطف بيان ولكم خبراً عاملاً في {آية}، وإضافة الناقة إلى الله لتعظيمها ولأنها جاءت من عنده بلا وسائط وأسباب معهودة ولذلك كانت آية. {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} العشب. {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} نهى عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالسوء الجامع لأنواع الأذى مبالغة في الأمر وإزاحة للعذر. {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} جواب للنهي.
|